Accueil » مقالات قانونية » حدود سلطة القاضي في قضايا ثبوت الزوجية: قراءة في ضوء اجتهاد قضائي حديث

حدود سلطة القاضي في قضايا ثبوت الزوجية
قراءة في ضوء اجتهاد قضائي

تُعدّ قضايا الأحوال الشخصية، وبخاصة تلك المتعلقة بإثبات العلاقة الزوجية، من أكثر النزاعات حساسيةً وتعقيداً أمام المحاكم المغربية. وغالباً ما يجد القاضي نفسه أمام وقائع متشابكة وظروف اجتماعية وإنسانية تتطلب منه حكمةً وتبصراً في تطبيق القانون. ومع ذلك، فإن سلطة القاضي ليست مطلقة، بل هي مقيدة بضوابط إجرائية وموضوعية تضمن حقوق المتقاضين وتحقق العدالة المنشودة. ومن أهم هذه الضوابط، مبدأ التزام المحكمة بالبت في حدود طلبات الأطراف، وهو المبدأ الذي كرّسه المشرع المغربي في الفصل الثالث من قانون المسطرة المدنية.

أهمية الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية في قضايا الأسرة

ينص الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية على أنه “يتعين على المحكمة أن تبت في حدود طلبات الأطراف ولا يسوغ لها أن تغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات”. هذا المبدأ الجوهري يضع إطاراً واضحاً لعمل القاضي، فهو لا يستطيع أن يحكم بأكثر مما طُلب منه، ولا أن يغير من تلقاء نفسه أساس الدعوى أو موضوعها. وفي قضايا ثبوت الزوجية، يكتسي هذا المبدأ أهمية خاصة، حيث إن تحديد تاريخ بدء العلاقة الزوجية له آثار قانونية بالغة الأهمية تتعلق بالبنوة والنفقة والميراث وغيرها من الحقوق والالتزامات المترتبة على الزواج.

اجتهاد قضائي يسلط الضوء على حدود سلطة المحكمة

في قرار صادر بتاريخ  عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقاً)، تم تسليط الضوء مجدداً على ضرورة تقيد محاكم الموضوع بحدود طلبات الأطراف في دعاوى ثبوت الزوجية. وتتلخص وقائع القضية في أن سيدة رفعت دعوى أمام المحكمة الابتدائية تطلب فيها الحكم بثبوت زواجها من رجل معين، محددةً تاريخ بدء هذه العلاقة الزوجية بسنة  1996 وبعد استيفاء إجراءات التحقيق والاستماع للشهود، قضت المحكمة الابتدائية بثبوت الزوجية بين الطرفين، لكنها حددت تاريخاً لبدء العلاقة يسبق التاريخ الذي حددته المدعية في مقالها الافتتاحي.
 
وعند استئناف الحكم من قبل المدعى عليه، أيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي. إلا أن محكمة النقض، وبصفتها محكمة قانون، تدخلت لنقض القرار الاستئنافي، معتبرةً أن محكمة الموضوع قد خرقت مقتضيات الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية عندما قضت بأكثر مما طُلب منها. فبما أن المدعية حددت تاريخاً معيناً لبدء العلاقة الزوجية في طلباتها، لم يكن للمحكمة أن تحدد تاريخاً أسبق، حتى وإن استخلصت ذلك من وقائع القضية أو شهادة الشهود. فالمحكمة ملزمة بالبت في حدود ما طُلب منها تحديداً.

الآثار العملية لهذا الاجتهاد القضائي في المغرب

يُعدّ هذا الاجتهاد القضائي تذكيراً هاماً للممارسين القانونيين والقضاة بضرورة الالتزام الدقيق بمبدأ البت في حدود طلبات الأطراف. فمخالفة هذا المبدأ، حتى وإن كانت بحسن نية أو بهدف تحقيق ما تراه المحكمة عدلاً، يُعرّض الحكم للنقض ويؤدي إلى إطالة أمد التقاضي. ويؤكد هذا القرار على أن دور القاضي ليس البحث عن الحقيقة المطلقة بمعزل عن طلبات الخصوم، بل الفصل في النزاع المعروض عليه وفقاً للقانون وفي إطار الطلبات المقدمة إليه.

بالنسبة للمحامين، يُبرز هذا الاجتهاد أهمية صياغة مقالات الدعوى وطلبات الموكلين بدقة ووضوح، وتحديد نطاق النزاع بشكل لا لبس فيه. كما يُلزم القضاة بمزيد من اليقظة عند دراسة طلبات الأطراف والتأكد من أن منطوق الحكم يظل في حدود هذه الطلبات.

في الختام، يمكن القول إن احترام المبادئ الإجرائية، مثل مبدأ التقيد بطلبات الأطراف، هو ضمانة أساسية لتحقيق العدالة وحماية حقوق المتقاضين. ويأتي هذا الاجتهاد القضائي ليعزز هذا المفهوم ويؤكد على الدور المحوري لمحكمة النقض في توحيد الاجتهاد القضائي وضمان التطبيق السليم للقانون في جميع محاكم المملكة.